السياسات الجمركية الأميركية وتأثيرها العالمي
تواصل الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، فرض رسوم جمركية على المنتجات القادمة من الصين، المكسيك، وكندا، إلى جانب رسوم إضافية تستهدف الألمنيوم، النحاس، والصلب. ولا تقتصر تداعيات هذه الرسوم على قطاع التجارة فحسب، بل تهدد بإشعال أزمة اقتصادية عالمية قد تصل تكلفتها إلى 10 تريليونات دولار، في وقت تشهد فيه وول ستريت خسائر ضخمة تُقدر بنحو 1.5 تريليون دولار حتى الآن.
وكان ترامب قد كشف عن خطة لفرض رسوم على واردات تبلغ قيمتها 3 تريليونات دولار، بهدف تقليل اعتماد الولايات المتحدة على الأسواق الخارجية وتعزيز الإنتاج المحلي، إضافة إلى مواجهة الهيمنة الاقتصادية الصينية في القطاعات الاستراتيجية، لا سيما المعادن الأساسية. ومع ذلك، انعكس هذا القرار سلبًا على الأسواق، حيث تراجعت أسهم شركات السيارات بنسبة 27%.
الرسوم الجمركية كأداة تفاوضية في الحرب التجارية
في مقابلة مع برنامج “بزنس مع لبنى” على قناة سكاي نيوز عربية، أوضح راين ليمند، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة NeoVision لإدارة الثروات، أن فرض الرسوم الجمركية جاء في ظل حالة من الضبابية الاقتصادية في الولايات المتحدة. وأضاف:
“اليوم، بات من الواضح أن هذه الرسوم ليست سوى أداة تفاوضية، وليست بداية لحرب تجارية شاملة.”
وأشار إلى أن ترامب يدرك أن هذه الرسوم قد تتسبب في ارتفاع التضخم داخل الولايات المتحدة، لكنه في الوقت ذاته تمكن من كسب التأييد الشعبي.
كما حذر ليمند من احتمال تطور النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين إلى حرب عملات، خاصة مع اتجاه بكين إلى خفض قيمة اليوان لمواجهة الرسوم الأميركية، قائلاً:
“الصين تتخذ تدابير تحوطية عبر خفض قيمة عملتها، مما يعني أن حرب العملات قد بدأت بالفعل.”
الذهب كملاذ آمن في مواجهة التضخم
أكد ليمند أن الذهب أصبح الخيار الأفضل للمستثمرين لمواجهة المخاطر الاقتصادية الحالية، مشيرًا إلى أن سعر أونصة الذهب بلغ نحو 3000 دولار، ومن المتوقع أن يستمر في الارتفاع.
وأضاف:
“الطلب على الذهب في تزايد مستمر، ليس فقط من قبل المستثمرين الأفراد، بل أيضًا من البنوك المركزية التي تراه ملاذًا آمنًا أمام التضخم والتوترات الجيوسياسية.”
أما الفضة، فرغم استخدامها الواسع في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة، إلا أنها لا تحظى بنفس مستوى الطلب على الذهب، وفقًا لليمند. وأشار إلى أن سوق الفضة يعاني من عجز مستمر للعام الخامس على التوالي، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعارها بنسبة 25% خلال العام الجاري، ليصل سعر الأونصة إلى 40 دولارًا، بناءً على توقعات بنوك استثمارية مثل ساكسو بنك و”يو بي إس” (UBS).
توقعات بارتفاع الفضة مع تزايد الطلب الصناعي
يتوقع أن يشهد سوق الفضة ارتفاعًا في الطلب خلال الفترة القادمة، مع تقديرات بوصول الاستهلاك العالمي إلى 1.2 مليار أونصة بحلول عام 2025، بينما يُقدّر الإنتاج العالمي بـ1.05 مليار أونصة. ويرجع هذا النمو في الطلب إلى دور الفضة الأساسي في الصناعات التكنولوجية، السيارات، الطاقة المتجددة، والصناعات العسكرية والفضائية.
اليوان الصيني في مواجهة الضغوط الاقتصادية
أوضح ليمند أن تراجع قيمة اليوان الصيني جاء نتيجة للسياسات الاقتصادية الأميركية، لكنه أكد أن بكين ستواصل التعامل مع هذه التحديات من خلال سياسات نقدية مرنة للحد من آثار الرسوم الجمركية.
كما أشار إلى الفرص الاستثمارية المتاحة في السوق الصينية، قائلاً:
“لقد دخلنا بقوة في الأسهم الصينية، حيث انخفضت التقييمات إلى مستويات جذابة، مما يجعلها فرصة جيدة للاستثمار طويل الأجل.”
الاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي: فرصة واعدة
فيما يتعلق بالمناطق الجغرافية المناسبة للاستثمار، شدد ليمند على أهمية التركيز على دول مجلس التعاون الخليجي، مؤكدًا أنها تتمتع باستقرار اقتصادي ومالي قوي، مما يجعلها بيئة استثمارية جذابة.
وقال:
“تشهد دول الخليج استقرارًا ملحوظًا، ينعكس بشكل إيجابي على الأسواق المالية والعقارية، مما يجعلها وجهة استثمارية واعدة.”
كما أشاد بالفرص المتاحة في قطاع الطيران والطروحات الجديدة في الأسواق المالية الإقليمية، وخاصة في سوق أبوظبي، حيث تحقق شركات الطيران أرباحًا كبيرة، ومن المتوقع استمرار هذا النمو.
الاستثمار طويل الأجل: الخيار الأمثل للعائلات
وجه ليمند نصيحة للمستثمرين بالتركيز على الاستثمار طويل الأجل، خاصة لأولئك الذين لديهم عائلات وأطفال، موضحًا أن:
“من الأفضل تخصيص جزء من المحفظة المالية للاستثمارات التي توفر عوائد مستدامة مثل العقارات أو السندات.”
وأكد على ضرورة الاستثمار في الأصول التي تحقق توزيعات أرباح جيدة، مثل السندات والأسهم ذات العوائد المستقرة، خاصة في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي.
الأسواق العالمية بين التقلبات والفرص الاستثمارية
مع استمرار المستثمرين في التوجه نحو الأصول الآمنة مثل الذهب والدولار، تبقى أسواق الأسهم والعقارات عرضة للتقلبات نتيجة التحولات السياسية والاقتصادية العالمية.
ورغم التحديات، يؤكد المحللون أن الفرص لا تزال قائمة أمام المستثمرين القادرين على تحديد الاتجاهات الاقتصادية والسياسية القادمة بدقة.