تميزت أداءات سعر الذهب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بتقلبات حادة، حيث شهد تراجعًا بنحو 4٪. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، من بينها ارتفاع قيمة الدولار الأميركي وزيادة عوائد السندات الأميركية، وتراجع عمليات شراء الذهب من قبل البنوك المركزية في الربع الثاني من عام 2023. وعلى الرغم من ذلك، يظل سعر الذهب مرتفعًا بأكثر من 6٪ في عام 2023، وسجّل ارتفاعًا تقدر نسبته بحوالي 10٪ في السنة الماضية.
تراجع الطلب العالمي على الذهب بنسبة 2٪ سنويًا إلى 920.7 طن في الربع الثاني من عام 2023، بسبب تباطؤ مشتريات البنوك المركزية وضعف استهلاك قطاع التكنولوجيا. ومع ذلك، استمر الطلب القوي من شركات صناعة الحلي والمستثمرين الذين يرون في الذهب ملاذًا آمنًا في ظل عدم الاستقرار العالمي.
أشار تقرير لمجلس الذهب العالمي إلى زيادة طلب البنوك المركزية على الذهب في عام 2022، حيث بلغت عمليات الشراء 1136 طنًا، وهو أعلى مستوى في 55 عامًا. وفي النصف الأول من عام 2023، قامت البنوك المركزية بشراء 386.9 طنًا.
تتأثر تقلبات أسعار الذهب بعدة عوامل اقتصادية عالمية، بما في ذلك العرض والطلب، والتضخم والسياسات المالية وأسعار الفائدة، وقوة العملات، والتقلبات الجيوسياسية وعدم اليقين.
رغم التقلبات في الأشهر الثلاثة الأخيرة، يعد أداء الذهب على المدى الطويل مقبولًا، حيث يشير مازن سلهب، كبير استراتيجي الأسواق في “BDSwiss MENA”، إلى أن العائد على الاستثمار في الذهب بلغ متوسطًا 9.2٪ ما بين عامي 2006 و-2022.
على الرغم من ذلك، قُدر أداء سعر الذهب في الأشهر الثلاثة الأخيرة بأنه متقلب للغاية وسلبي، إذ تراجع بنسبة 3.7٪ بسبب ارتفاع قيمة الدولار الأميركي. وعلى مدار عام 2023، تراجع سعر الذهب بنسبة 1.5٪. يبدو أن هناك ترابطًا قويًا بين قوة الذهب وضعف الدولار.
يظل الذهب مرتفعًا بنسبة 6.5٪ في عام 2023، كما سجّل ارتفاعًا تقدر نسبته بحوالي 10٪ في السنة الماضية. البنوك المركزية استمرت في شراء الذهب بشكل إيجابي، وزاد الطلب على الاستثمار في الذهب بنسبة 20٪ في الربع الثاني من عام 2023 مع ارتفاع إنتاج المناجم إلى مستوى قياسي في النصف الأول من العام.
ويقول كبير استراتيجي الأسواق في “BDSwiss MENA”، “لم يتأثر الطلب بشكل سلبي حتى الآن، مما دعم ارتفاع أسعار الذهب، على الرغم من استمرار ارتفاع عوائد السندات الأميركية التي تتخطى معدل التضخم بشكل خاص في السندات ذات الأجل القصيرة لمدة 3 و 6 و 12 شهرًا (حيث بلغت أكثر من 5 في المئة)، في حين بلغ معدل التضخم في الولايات المتحدة حاليًا 3 في المئة، مما يعني أن العوائد الحقيقية (عوائد السندات ناقصة التضخم) أصبحت إيجابية، ونعتقد أن هذا سيضع ضغطًا هائلاً على سعر الذهب في النصف الثاني من عام 2023 حتى يتغير توجه السياسة النقدية مرة أخرى”.
ويركز سلهب على وجود اعتقاد خاطئ شائع أن الذهب هو ملاذ آمن في حالات الأزمات، في حين أن الحقيقة هي أن شراء الذهب ليس بالضرورة يزداد في حالات الأزمات، بل يتعلق الأمر بطباعة العملات المضطربة وخفض أسعار الفائدة، ليس فقط في حالات الأزمات مثل الحروب أو الأزمات المالية، إذ كان استمرار معدل التضخم عند مستويات قياسية وخفض أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية بعد أزمة الجائحة هو ما أدى إلى ارتفاع سعر الذهب، وليس الجائحة نفسها أو الإغلاقات التي شهدها العالم.
من جانبه، يؤكد الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”، علي حمودي، أن الدولار قد بدأ يرتفع قليلاً بسبب عدم اقتناع الأسواق بشكل كامل بأن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد أنهى عملية رفع أسعار الفائدة، خاصة في ظل وجود العديد من البيانات التي ستصدر قبل اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر، وقد صرح الفيدرالي بأنه في حالة تلك البيانات أظهرت أن سياسته لا تحقق النتائج المطلوبة بعد، فسيستمر في رفع أسعار الفائدة، وهذا يؤثر على قوة الدولار وبالتالي ينخفض سعر الذهب. ومع ذلك، لا يزال الذهب يحافظ على مستوياته فوق 2000 دولار للأونصة، وهناك فرصة لرؤيته يتجاوز حاجز 2000 دولار في حالة ظهور بيانات اقتصادية قوية من الولايات المتحدة.
واستبعد حمودي خفض أسعار الفائدة قريبًا، قائلاً “فكرة أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة في وقت قريب وليس في تاريخ لاحق هي مجرد أوهام، وأعتقد أن ذلك لن يحدث قبل عام 2025”.